دبلوماسية ليبيا بين غموض الدبيبة ووضوح المنقوش

دبلوماسية ليبيا بين غموض الدبيبة ووضوح المنقوش

انفض مؤتمر برلين 2 وقد أفرز توصيات لا جديد فيها، إذ أن مضامينها كانت منذ أشهر محل إجماع أممي في البيانات الصادرة عن مجلس الأمن، ومحل اتفاق دولي وإقليمي من حيث التصريحات المتواترة بشكل يومي، حتى أن اسم ليبيا أصبح الأكثر تداولا خلال الأشهر الماضية بعد كورونا، وغطى على ملفات فلسطين وسوريا والعراق واليمن وإيران ولبنان وسد النهضة وغاز المتوسط والإرهاب وأفغانستان.

أبرز ما أوضحه المؤتمر أن الوضع الليبي لا يزال يتأرجح بين حل الأزمة وتأبيدها نتيجة خلافات داخلية انعكست على الموقف الخارجي، ونتيجة تجاذبات خارجية تؤثر سلبا على الداخل، ونتيجة مصالح متداخلة تدفع نحو تأخير الحسم. ولم يجد المجتمعون من أمر يتفقون عليه إلا تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر للرابع والعشرين من ديسمبر، دون تحديد لطبيعة الإطار الأمني والاجتماعي الذي ستجري فيه، فالانقسام الفعلي لا يزال قائما. لا المهجرون والنازحون عادوا إلى مدنهم وقراهم، ولا المحتجزون والسجناء السياسيون غادروا زنزانات الميليشيات، ولا المؤسسة العسكرية توحدت، ولا القوات الأجنبية والمرتزقة في طريق الإجلاء عن الأراضي الليبية. استطاعت المنقوش أن تصنع تحوّلا مهمّا في نظرة المجتمع لدور المرأة السياسي ولاسيما في المناصب السيادية، عندما أعلن عن تعيينها وزيرة للخارجية كأول سيدة تحتل هذا المنصب

ترأس عبدالحميد الدبيبة وفد بلاده إلى المؤتمر، وألقى كلمة تحمل الكثير من التهويم والتعويم، وذلك بالوصول إلى استنتاجات موجودة بطبعها لدى المشاركين؛ الانتخابات تحتاج إلى مساعدة دولية على تنظيمها، وهذا متفق عليه تحت قبة مجلس الأمن، والميزانية لم تحظ بعد بالتصديق عليها من البرلمان لأسباب لم يستطع التطرق إليها ومنها تحديد بنود الصرف واستثناء مؤسسة الجيش منها والعراقيل الموضوعة أمام ملف التعيينات في المناصب السيادية.

قال الدبيبة إن “الخلاف الداخلي والمصالح يعيقان المسيرة إلى الاستحقاق المقبل” وهذا صحيح. لكنه لم يتطرق إلى قضية شائكة تعيد رسمه ملامح وجوده في السلطة ليكون نسخة ثانية من فايز السراج، وهي قضية الميليشيات التي لا تزال تهيمن على منطقة غرب البلاد، ولا إلى الأسباب الحقيقية وراء استمرار المواجهة في شكل حرب باردة بين طرابلس وبنغازي ومن أهمها عدم وجود استعداد للاعتراف المتبادل وغياب الثقة وفشل السلطات الجديدة في التحول إلى غطاء وطني حقيقي لكافة أرجاء البلاد، ولا إلى خطاب الكراهية الذي لا يزال يعمل على تقسيم المجتمع وتخوين وتكفير المختلف وعلى قطع الطريق أمام مشروع المصالحة الوطنية، ولا حتى إلى الاستمرار لأسباب سياسية فجة في احتجاز عدد كبير ممن برّأهم القضاء.